24
24
روضة الصائم

زاهر بن سيف الريامي: كنت أتحرى هلال رمضان مقابل «قرش»

21 أبريل 2021
21 أبريل 2021

العوابي ـ خليفة بن سليمان المياحي -

رغم أن عمره يناهز الثمانين عامًا إلا أن الوالد زاهر بن سيف بن سعيد الريامي ما زال حاضر الذاكرة، ومتفائل بالحياة. زارته «عمان» في بيته بقرية الهجار بوادي بني خروص بولاية العوابي من أجل أن تسمع منه بعض تفاصيل رمضان في الأزمنة الماضية.

يقول الريامي: لا أذكر تاريخ ميلادي بدقة ولكن أناهز الآن الثمانين عامًا، وقد ولدت في نيابة الجبل الأخضر في قرية «سيق»، فكان والدي يسكن هناك، ولديه بعض الوقفان «الوقفان هي عبارة عن أراض زراعية صغيرة على شكل مدرجات» وكان يقوم بزراعتها الثوم والبصل والبر وغيرها من المحاصيل الزراعية لكسب رزقه.

لكن في آخر عمره لم يستطع مواصلة العمل لكبر سنه، فباع كل ما لديه هناك، وكان آخر ما باعه والدي ثلاثة وقفان، باعهن لأحد الأهالي هناك بمبلغ ثلاثين قرشًا، ولم تمض إلا فترة وجيزة حتى صرفنا تلك القروش ولم يبق له إي شيء؛ لهذا اضطر للانتقال من الجبل الأخضر إلى وادي بني خروص، وكان عمري آنذاك خمس سنوات. ويحكي الريامي عن معاناة الانتقال من الجبل إلى وادي بني خروص مشيًا على الأقدام عبر طريق جبلي صعب. يقول خرج والدي ومعه والدتي وأنا وأخواتي بدون زاد، فالتقى بنا أحد الأقارب من نفس القرية وسأل والدي عن الزاد فقال له الزاد قدّام! فقال له لا تذهب إلا والطعام معك فأنت تحمل أطفالًا صغارًا، وما هي إلا لحظات حتى لحق بنا وأحضر معه تمرًا وخبزًا لنستعين به خلال الرحلة، وفي الطريق توفيت أختي وكان عمرها سنه ونصف تقريبًا ولم تكن تعاني من أي شيء لكن قضت مشيئة الله ذلك. وواصلنا النزول حتى وصلنا قرية «شو» بوادي بني خروص، حيث يوجد بالقرية أقارب لوالدي، وكان ينوي السكن فيها لكن بعضًا من أهالي قرية الهجار طلبوا من والدي أن يسكن بجوارهم ويعمل إمامًا لمسجد وارث بن كعب الخروصي المسمى بمسجد الغمامة، فاستجاب لطلبهم، وأقام في قرية الهجار حتى توفاه الله، وبقيت أنا هنا منذ ذلك الوقت.

يقول الوالد زاهر الريامي عملت في نقل الأفراد والمؤن عن طريق الحمير من قرى وادي بني خروص إلى قرى الجبل الأخضر لمدة 14 سنة فكنت بين كل ثلاثة أيام اذهب مرة واحدة، وكنت أستأجر نقل الراغبين بمبلغ خمسة قروش ويستغرق الوصول للجبل بالنسبة للراجل ثلاث ساعات أما على طريق الحمير فتستغرق ست ساعات. وأضاف: عملت في الجيش في الجبل الأخضر قبل عام السبعين كما عملت في التجارة، فكنت أجلب ماء الورد وانقله في خروس من الجبل، كما كنت أجلب خل البكر والثوم والفواكه وأبيعها في سوق قرية ستال، فكان سوقها في ذلك الوقت مشهورًا ويقصده الباعة والمشترون من جميع قرى الوادي. وأذكر، والحديث للوالد زاهر، أن غرشة ماء الورد تباع بعشر روبيات أما اليوم فسعرها من 10 إلى 15 ريالا، وكنت خلال ترحلي في طريق الجبل أجلب البوت وهو فاكهة جبلية بنفس شكل حبة العنب لكنها أصغر حجما ولذتها مميّزة وكنت أجلبه لسوق الرستاق فأبيعه هناك.

ويستكمل الوالد زاهر حكايته: سافرت للبحرين ومكثت فيها ثلاث سنوات وعملت هناك في شركة تسمى «أكمي» تعمل في الحفريات والبناء براتب 150 روبية هندية أي ما يساوي 50 قرشًا ثم نزل الصرف إلى 20 قرشا، وفي عام 1972 م التحقت بالعمل في مدرسة وادي بني خروص لمدة 38 عامًا، وحاليًّا احصل على معاش التقاعد ولله الحمد.

يقول زاهر الريامي: تعلمّت القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة في الجبل الأخضر على يد المعلم سيف بن مبارك الفهدي بينما أكملت ختم القران الكريم في قرية الهجار على يد المعلم يوسف سليمان بن زاهر الجامعي. ويضيف: كان المعلم يلزم الطالب حفظ السور القصار من جزء عمّ وإن أمكن حفظه كاملا ثم يبدأ في تعليمهم قراءة القرآن الكريم كاملا من سورة الفاتحة وحتى سورة الناس. وختمت القرآن وعمري 8 سنوات ثم ينتقل المعلم لتعليم القراءة والكتابة عن طريق مادة «الرخام» وهي تجلب من بعض الصخور الجبلية وكانت البديل عن القلم وهي تشبه التباشير والكتابة بها تكون على ألواح حجرية مسطحة.

ويستذكر الوالد زاهر شهر رمضان في تلك الأزمنة فيقول: كنا في الصغر نتنافس على صيام الشهر مع من هم في سني ويحاول كل واحد أن يظهر التحمل والجلد حتى لا يظهر ضعفه أمام الآخرين فكان الصيام بالنسبة لنا منافسة. وقد بدأت الصيام وعمري 11 عامًا، وكان يصيبنا في ذلك الوقت التعب الشديد والعطش خاصة إن تصادف الشهر في وقت الصيف وحتى نخفف عن أنفسنا كنا نذهب إلى منبع فلج القرية فنستحم ونبلل ملابسنا ونجلس هناك لفترة؛ لأن المكان فيه ظل كثيف وأشجار ودرجة الحرارة فيه منخفضة. وكان الإفطار مكونا من اللبن والتمر والحليب فقط والسحور كان فيه شيء من الخبز مع أشياء بسيطة جدا.

أما عن رؤية هلال رمضان أو هلال العيد فيتحدث الوالد زاهر الريامي عن تلك المرحلة بالقول: كان وكيل مسجد الوارث بن كعب يؤجر اثنين من أهالي القرية لرؤية الهلال بمبلغ قرشين لكل واحد منهما قرش فيذهبان إلى جبل يسمى جبل «لقبال» وهو جبل مرتفع وتسهل الرؤية من على ارتفاعه والصعود إليه يستغرق ساعتين وقد شاركت أكثر من مرة في رؤية الهلال وقال: عندما نتمكن من رؤيته نطلق النار من بنادق كنا نحملها ونحن هناك على قمة الجبل فنشعر الناس بأن اليوم التالي هو أول أيام رمضان فيبيتون النية بالصيام وإن كان الهلال لرؤية شوال فيتهيؤون للعيد وهكذا الحال ينطبق لبقية البلدان والقرى المجاورة. وقال يحدث في بعض السنين أن بعض القرى لا تحتفل بالعيد بينما قرية قريبه منها قد صلت صلاة العيد ويحدث العكس وأحيانًا في صيام شهر رمضان كل ذلك يحدث لعدم وجود وسيلة التواصل بين الناس كما هو الحال الآن، واذكر انه في إحدى السنوات لم نتمكن من رؤية هلال شوال وأصبحنا صائمين وفي الصباح سمع الأهالي صوت المدفع من ولاية سمائل وكان المدفع يطلق عندهم بعد أداء صلاة عيد الفطر أكثر من مره وبصوت مرتفع مما سمح للبعض سماعه فعلمنا أنهم انتهوا من الصلاة وان ذلك اليوم هي الأول من شوال فتوقفنا عن الصيام وفي اليوم التالي صلينا سنة العيد ومثل هذه الأحداث كانت تتكرر.